نظريَّة التطوُّر بين سندان الشكّ ومطرقة الحقيقة

نظريَّة التطوُّر بين سندان الشكّ ومطرقة الحقيقة، نظرية التطور بمواجهة الخالق، المعارضون لنظرية التطور، المدافعون عن نظرية التطور، التطور والمخلوقات الفضائية،

  • 724 مشاهدة
  • Jan 15,2022 تاريخ النشر
  • الكاتب طارق منير ناصر الدين
  • ( تعليق)
نظريَّة التطوُّر بين سندان الشكّ ومطرقة الحقيقة

نظريَّة التطوُّر بين سندان الشكّ، ومطرقة الحقيقة

نظريَّة التطوُّر بمواجهة الخالق!

 

مع أول كلمة تطلقها شفتاك عن نظريَّة التطوُّر، تسمع من كُلِّ حدبٍ وصوب أصوات تقول:

(ماذا تعني نظريَّة التطوُّر، الإنسان أصلُهُ قِرد، لا تكفر يا رجل، إنَّا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، والتطوُّر ونظريَّة التطوُّر لا صِحَّة لها).

لا تستمع لهذا الحوار البيزنطي  للأسف إلا في منطقتنا العربيَّة المنغلقةِ على العِلم، ولكنَّك لن تستغرب حين تقول بأيِّ دولةٍ متقدِّمة علميَّاً، ماذا تعلم عن نظريَّة التطوُّر؟ حيث ستتعجَّب وقتها لكمِّ الوعي بأصل الإنسان، والمادَّة والتطوُّر، وأصل الأنواع، وماهيَّة تطوُّرها عبر الزمن، ولن تراه يخلط بين الدِّين والعِلم.

المقصود من مقدِّمتي أن أقول للقارئ العزيز، أنَّ الله نورٌ مُطلق، ووعيٌ سرمدي، لا يُحدُّ بزمانٍ ولا مكان، والتطوُّر الحاصل في خليقته ليس إلا رمشة عين من وعيه المُطلق لخلقة، لذلك علينا أن نفصل بين موروثنا الدِّيني، وبين بحثنا عن ماهيَّة وجودنا، وأصل تطوُّر جنسنا، وتطوُّر الحياة على الأرض، ورُبَّما خارجها مُستقبلاً، إنَّ العِلم يُجيب؛ ويبحث بأدواتٍ لا تؤكِّد إلا الموجود، ولذلك نقول لقد اكتشف العلم؛ أي وجد ما هوى غائبٌ عن أعيُننا، أو وعينا، وسلَّط النُّور عليه فكُنَّا لا نعلم، وأصبحنا نعلمُ بالعِلم، فالكون عظيمٌ بعظمة خالقه، واستمرَّ ليُصبِح على هذا النَّحو منذُ ملايين السِّنين، وهذا لا يُقلِّل من عظمة الله القدير، وليس علينا أن نستدل على عظمة الله من كلامِ رجال الدِّين فقط، ونقول أنَّ التطوُّر والكون وجد بستَّة أيَّام، واستراح الله في يومه السَّابع، فلا الله بعاجزٍ عن خلق الكون برمشة عين، ولا هو عاجزٌ ليتعب بعد عملٍ ويأخذ يوم استراحة بعد الخلق، ومثلما تُحدِّثنا الأساطير الدينيَّة، هذا هو الكُفر بعينه، والتصغير لقُدرة الرَّحمن وعظمته، إذن لنبتعد عن كُلِّ ما هو ساذج، ولنعترف أنَّ الطريق الوحيد لمعرفة الخالق والتقرُّب منه هو العِلم، لا شيء آخر.

تُعتبر نظريَّة التطوُّر من هذا المنطلق؛ بُرهاناً على عظمةِ الله وليس نفياً له، وهي ليست فرضيَّةً أو تصوُّر فلسفي عن الحياة، فنظريَّة التطوُّر حقيقة علميَّة لا لبس فيها، تعتمد على التجربة والبراهين والأدلَّة الدَّامغة.

 

المُعارضون لنظريَّة التطوُّر

 

قال العالم (لورين إيسلي)، في كتاب فجر الحياة لـ(جوزيف هارولد)، مُفنداً الصدفة والعشوائيَّة وعدم التدبير في الخلق، ورافضاً نظريَّة التطوُّر، ويُحاول أن يشرح أنَّ نظريَّة التطوُّر غير منطقيَّة، فيقول:

"لو أنَّ المادَّة الميِّتة، أي (الطبيعة)، قد أنشأت المناظر العجيبة للصراصير العازفة، والعصافير الشادية، والبشر المُفكِّرين، فيجب أن يكون واضحاً لأكثر الطبيعيين تعصُباً - يُقصد المؤمنون بنظريَّة التطوُّر- أنَّ تلك المادَّة (الخالقة) التي نتكلَّم عنها تنطوي على قِوى مُذهلة، إن لم تكن مروِّعة.." ويُكمل حديثهُ: "هل يُعقَل أنَّ الطبيعة الصمَّاء بالصُدفة والعشوائيَّة؛ تستطيع أن تخلق الصراصير التي تعزف الأصوات الجميلة باحتكاك جناحها بأرجلها, والعصافير التي تعزف أعذب الألحان وأجملها، والبشر المفكِّرين، أو التُّفاح اللذيذ الغني بالفيتامينات المُهمَّة للإنسان؛ قد خُلِقت بشكلٍ عشوائي وصدفة؟ ثُمَّ يستنتج عقلاً أنَّ تلك المادَّة لا بُدَّ أن تكون عاقلة وقويَّة، ومُذهلة ومروِّعة, أي أنَّ في الخلق حِكمةً وتدبير، وعِلمٌ وإبداع"، ولا يُمكن لنظريَّة التطوُّر أن تكون صحيحة - حسب زعمه - بسبب ما سبق.

يقول الداروينيُّون: أنَّ الأشياء غير مخلوقة لحكمة، وأنَّها نشأت صدفة، وبعشوائيَّة تامَّة، ويردُّ عليهم العقلانيُّون بقولهم: هذه خُرافة عقليَّة، إذ لو كان الأمر كذلك ما كان التفاح شكله جميلاً ولا جذاباً، ولو كان التفاح غير مخلوق للإنسان؛ لاكتفت شجرة التفاح بعمل بذورها، ووضعها في غِلافٍ سميك، ثُمَّ تقع البذور على الأرض بحركة الرِّياح، وتنبت من جديد كما هو الحال في شجرة الصنوبر، وشجرة أبو المكارم (تيبوانا، أو الجاكرندا الصّفراء).

يقصد المناهضون لنظريَّة التطوُّر بقولهم: أنَّ كل شيء بالكون مُدبَّر وموضوع لحكمة، ودقَّة الخلق لا تقبل العشوائيَّة، وأنَّه ليس هناك في الكون مكانٌ للصُّدفة والعشوائيَّة التي تتحدَّث عنها نظريَّة التطوُّر، بحسب فهمهم لها.

 

التطوُّر، والمخلوقات الفضائيَّة

 

نشر عالم الكيمياء الحيويَّة من الولايات المُتحدة الأمريكيَّة (مايكل بيهي) في كتابه، نظريَّةٌ غريبةٌ وعجيبة، ينسف فيها التطوُّر بحسب المفهوم الداروني، وحسب المفهوم الدِّيني أيضاً، فبحسب زعمهِ أنَّ "الأجسام تُولد ولا تتطوَّر، وعلى المستوى الجيني؛ لا يُمكن للكون أن يخلق أيَّ شيءٍ بمفرده، وأنَّ التطوُّر لا يعمل على تحسين الكائنات الحيَّة، وتوليد جينات جديدة، وإنَّما يعمل على تدميرها".

وكما ذكرنا آنفاً، لا يؤمن العالِم بأنَّ الحياة قد ظهرت على كوكب الأرض بفضل قوَّةٍ إلهيَّة، وإنَّما ظهرت بفضل كائنات فضائيَّة أكثر تطوُّراً تعيش على كوكبٍ آخر.

مهما لاقت هذه النظريَّة لها رواجاً، فكثير قد يفضِّلها أكثر من تقبُّل فكرة أنَّ التطوُّر يحدث بلا سببٍ وعبثيَّة، رغم أنَّ نظريَّة التطوُّر لا تُشير أبداً لمثل تلك التصورات الخياليَّة، ولكن الجدل حول التطوُّر فتح الباب أمام كلِّ الفرضيَّات.

وسأتناول عزيزي القارئ بعضاً من الكتبِ التي  دحضت نظريَّة التطوُّر، حسب زعم مؤلفيها.

نبدأ بكتابِ (تصميم الحياة: اكتشاف علامات الذَّكاء في النُّظم البيولوجيَّة)، كتابٌ مُشترك للكاتبين (ويليام ديمبسكي، وجوناثان ويلز)، ويذكر المؤلِّفان في البداية أنَّ الكتاب "ليس مجرَّد نقداً للتطوُّر، وإنَّما هو تعبير عن حقيقة نراها بأعيننا في كلِّ علم الأحياء"، حيث أنَّ التصميم أصبح جزءاً من العلم بالضرورة، التصميم الجيني يقصدون للحياة، ولا يُمكن فهم العلوم إلا من خلال التصميم، وهو الأمر الذي طالما أنكره التطوريُّون قائلين: بأنَّ علم الأحياء هو علم لدراسة البُنى العبثيَّة التي تطوَّرت بشكلٍ عشوائي، إلى نتيجة عشوائيَّة، الأمر الذي يُخالف الحقيقة تماماً حسب زعم الكاتبان.

كتاب (أيقونات التطوُّر، عِلمٌ أم خرافة)، للكاتب (جوناثان ويلز)، ويتحدَّث فيه عن الإيديولوجيا، وتُسيِّس النظريَّات العلميَّة، وأنَّ التطوُّر؛ وغالبيَّة العلوم تتدخَّل فيها التحيُّزات الشخصيَّة على النظرة العلميَّة حسب زعمه، وأهم محور بكتابهِ هو قابليَّة العلم الطبيعي نفسه لأن يتحوَّل من خلال نظريَّاته، وفرضيَّاته، ومؤيِّديه، إلى أساطير ذات أقانيم وأيقونات.

 كتاب (شك داروين، النُّشوء المفاجئ للكائنات الحيَّة)، للكاتب (ستيفن ماير)، ويتحدَّث فيه عن قلق داروين من حقبة الانفجار الكامبري بالنُّشوء السَّريع الذي ناقض فكرة التطوُّر البطئ، وقد نظر داروين لهذا الحدث على أنَّه شذوذ مُقلِق، ويرجو من الاكتشافات الأحفوريَّة المُستقبليَّة أن تقضي عليه نهائيَّاً، فكان الكتاب من أجل هذه الثغرة الكبيرة في النظريَّة، فقد قام ماير بالتركيز في كتابه على فترة حاسمة من التاريخ الجيولوجي؛ ظهرت فيه أعداداً هائلة من الأشكال الحيوانيَّة فجأة، ودون أسلاف تطوريَّة محفوظة في السجل الأحفوري، إلا أنَّ هذه الثغرة قد تلافتها نظريَّة التطوُّر، وفسَّرها عُلماء التطوُّر بالقفزة الكامبريَّة، والتطوُّر السَّريع المُتقطِّع، بسبب التغيُّر المُحيط المُرافق للكائنات الحيَّة، وقد نستفيض بشرح هذه التفاصيل بمقالٍ آخر عن الدارونيَّة.

 

المدافعون عن نظريَّة التطوُّر

 

ظهر عُلماء مؤمنون دافعوا علناً عن نظريّة التطوّر، وأقرُّوا بقبولهم لحقائقها وأسُسها، حيث ليس بالضَّرورة إن كُنتَ مدافعاً عن نظريَّة التطوُّر فأنت شخصٌ ملحد، فعلماء التطوُّر يعتقدون بوجود خالق، ولكنَّهم يعتقدون أنَّ التطوُّر حدث وفقاً لقوانين الطّبيعة، ومن بين هؤلاء العلماء كثر لا يعتقدون بوجود خالقٍ فحسب، ولكنهم مؤمنون دينيَّاً أيضاً.

ومن أهم هؤلاء العلماء المدافعين، نذكرُ:

 

  • الدُّكتور(فرانسيس كولينز)، المُشرف على مشروع الجينوم البشري، ومدير المعهد الوطني للصحّة في أمريكا، وهو مسيحيٌّ إنجيلي.
  • (كينيث ميلر)، البروفيسور بعلم البيولوجيا الجزيئيَّة والخلويَّة في جامعة براون الأمريكيّة، وأحد أشهر المُدافعين عن نظريّة التطوُّر في أمريكا، وهو رجلٌ مسيحيٌّ كاثوليكي مؤمن.
  • بروفيسور علوم الأحياء والتطوّر (فرنشسكو أيالا)، ويعمل في جامعة (كاليفورنيا إرفاين)، وقسّيس دومينيكاني سابق، وهو مسيحي.
  •  الدُّكتور (سايمون موريس)، عالم الأحياء القديمة والمُستحاثّات، ومُكتشف أهمّ المواقع الأحفوريّة في العالم، وهو أيضاً مُعارضٌ جدَّاً للتّفسيرات الماديّة لنظريّة التطوُّر، لكنَّه لا يرى تعارُضاً ما بين النظريّة والإيمان بالخالق، وديانتهُ المسيحيَّة.
  • الدُّكتور (روبرت بيري)، مختصٌّ في علم الوراثة، وعالم طبيعة.

 

 نُشِرَ كتاب تشارلز داروين (أصل الأنواع عن طريق الانتقاء الطبيعي، أو الحفاظ على السُّلالات المواتية في النِضال من أجل الحياة)، ويعدّ هذا العمل واحداً من أكثر الأعمال الأساسيَّة في تاريخ العِلم، حيث يشرح فيه داروين آليّة عمل الحياة على هذا الكوكب، وكيف نشأت مجموعات التنوُّع من الكائنات الحيَّة (النباتات، والحيوانات، ولاحقاً البشر)، وهنا ظهرت نظريَّة التطوُّر، والتي أصبحت فيما بعد تُعرف باسم الداروينيَّة.

ولأهميَّة الداروينيَّة في موضوع نظريَّة التطوُّر، سنخصِّص لكم أعزاءنا القُرَّاء مقالاً أكاديميَّاً سيكون أكثر تفصيليَّة في نظريَّة (تشارلز داروين) في أصل الأنواع، والغوص بتفاصيلها وأسُسها، وعلى ماذا استندت هذه النظريَّة في أحكامها.

مقالات متعلقة في دراسات وابحاث