الشدة المستنصرية (الشدة العظمى)، الشدة المستنصرية، بداية الشدة المستنصرية، مشاهد أخرى للشدة المستنصرية، قصر الخليفة والشدة المستنصرية، نهاية الشدة المستنصرية،
الشدة المستنصرية هي واحدة من أبشع المجاعات التي ألمت بمصر في عهد الدولة الفاطميّة، واستمرت لمدة سبعة أعوام على التوالي (1065-1071م)، ومن خلال مقالتنا هذه من منصة أجراس، سنتطرق إلى كافة التفاصيل المؤلمة التي حلت في مصر خلال تلك الأعوام القاسية.
في عهد خامس خلفاء الدولة الفاطميّة (العبيدية) المستنصر بالله، عانت مصر من فوضى سياسية نتيجة اختلال الإدارة، واكتملت هذه المُعاناة بعد النقص الحاد في منسوب مياه نهر النيل، والذي أدى لحدوث كارثة كبرى تمثلت في المجاعة التي انتشرت في البلاد، واستمرت لمدة سبعة أعوام متتالية؛ والسبب الرئيسي لهذا النقص يعود لمجموعة من العوامل، وأهمها اختلال أحوال البلاد نتيجة ضعف الخلافة، إضافةً لاستيلاء الأمراء على الدولة، واشتعال الفتن بين الطبقة الحاكمة والعربان، ونتج عنها ازدياد الغلاء الذي أدى إلى تعطيل الزراعة وانتشار الوباء.
ذكرت آنفاً مجموعة من العوامل التي أدت إلى حدوث الشدة المستنصرية، والتي عرفت عند المؤرخين بـ(الشدة العظمى)، وبعد انتشار المجاعة في البلاد، قام الناس باصطياد الكلاب والقطط وأكلها من شدة جوعهم، بعد أن نفذت لحوم الأبقار والأغنام والدجاج والأرانب، حتّى وصل الأمر لبيع الكلب بخمسة دنانير، أما القط فقد وصل ثمنه إلى ثلاثة دنانير!.
وبعد أن نفذت الكلاب والقطط، بدأ الناس يأكلون جثث الموتى، وحفر القبور لانتشال ما دفن منهم وأكله، إضافةً لاختطاف الأحياء وذبحهم وطهوهم، دون أن يعترضهم أحدا، ومن العجائب التي وقعت في تلك الفترة هو جلوس الناس على أسطح منازلهم، وقاموا بصناعة الكلاليب والخطاطيف التي تساعدهم على اصطياد المارة في الطرقات من أسطح تلك المنازل، وفوق التقاطهم للضحايا يقومون بذبحهم وطهوهم على الفور، ومن ثمَّ تناولهم.
تعددت المشاهد الأليمة التي وقعت في مصر خلال تلك الفترة العصيبة، حتى قيل بأنَّ وزير البلاد كان يمتلك بغلاً واحداً يستخدمه للركوب والتنقل، فقام في أحد الأيام بوضع البغل عند غلامٍ ليقوم بحراسته، لكن الغلام الذي كان يعاني من الوهن والضعف لم يتمكن من مواجهة اللصوص الذين قاموا بسرقة البغل، وعندما علم الوزير بسرقة البغل استشاط غضباً، واستطاع القبض عليهم وقام بإعدامهم عن طريق الشنق، وفي صبيحة اليوم التالي لم يجد إلا عظامهم بعد أن قام الناس بأكل لحومهم من شدة الجوع.
وفي مشهدٍ آخر، وفي إحدى حواري مصر، والتي كانت تعرف باسم حارة (الطبق) الواقعة بمدينة الفسطاط، وكانت هذه الحارة تتكون من عشرون بيتاً، كل بيتٍ فيها يبلغ ثمنه ألف دينار، وقد قيل بأنَّ جميع تلك البيوت قد تمَّ بيعها بطبق يتكون من عشرين رغيفاً، حيث كان ثمن كل بيت رغيفٌ واحد، وهذا سبب تسميتها بحارة (الطبق)!.
ومن الروايات الأخرى عن تلك المجاعة، حيث قيل بأن واحدة من سيدات مصر الثريات آلمها صوت بكاء صغارها من الجوع، ونظرت إلى ما تملكه من ذهبٍ ومجوهرات نفيسة بألمٍ وحسرة؛ لأنه رغم كل ما كانت تملكه من حلي باهظة الثمن، إلا أنها لا تستطيع شراء رغيف خبزٍ واحد، وأخذت من بين حليها عقداً من اللؤلؤ الذي كان يزيد ثمنه عن الألف دينار، فطافت في الأسواق محاولةً إيجاد من يشتريه، وفي النهاية أقنعت أحد التجار باستبداله بقيس من القمح.
وقامت بعدها باستئجار بعضاً من الحمالين لنقل كيس القمح إلى بيتها، ولم تكد تتحرك حتى هاجمها مجموعة من الجياع، وسلبوا منها الكيس، ومن شدة عجزها قامت بمزاحمتهم وتمكنت من الحصول على حفنة من الدقيق، وعند وصولها لبيتها قامت بعجنها، وتشكيلها على شكل أقراص صغيرة، وقامت بعد خبزها بإخفائها بين ثنايا الثوب الذي كانت ترتديه، انطلقت بعدها تصيح في الطرقات: "الجوع الجوع، الخبز الخبز"، والتف الجميع من حولها، وساروا خلفها إلى قصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، ووقفت أمامهم، وصاحت بعد أن أخرجت قرصاً من ثوبها:
"أيها الناس، اعلموا بأنَّ هذا القرص قد كلفني ألف دينار، فادعوا معي لمولاي المستنصر؛ الذي أسعد الله الناس بأيامه، وأعاد عليهم بركات حسن نظره، حتى تقوم علي هذا القرص بألف دينار"!!.
ومن المشاهد التي لا يُمكن لأي عقلٍ أن يصدق بأنها حدثت بالفعل في ذلك الوقت العصيب، بأنه تمَّ القبض على رجلٍ كان يختطف النساء والأطفال، ويقوم بذبحهم وبيع لحومهم، بينما يقوه بدفن الرؤوس والأطراف، وتمَّ قتله.
وبعد اشتداد الجوع والوباء، وصل الأمر إلى موت العوائل كاملة في نفس الوقت، نفس اليوم، ونفس الليلة، وحيث أنه قد وصلت حصيلة الموتى في اليوم الواحد إلى ثمانية عشر ألف شخص، الأمر الذي أدى إلى فناء ثلث أهل البلاد، وقد بلغ عدد ضحايا هذه المجاعة أكثر من مليون وستمائة ألف شخص، وبعد وفاة الفلاحين الذين كانوا يحرثون الأراضي ويزرعونها، قام الجند بعدها لزراعة تلك المساحات الزراعية بعد فناء المزارعين.
لم يكن تأثير الشدة المستنصرية على الشعب وحدهم في مصر، بل وصل تأثيرها إلى الخليفة الذي فرغت الحظيرة لديه من الدواب، بل وصل به الأمر إلى قيامه ببيع الرخام المتواجد على قبور أسلافه ليتمكن من الحصول الطعام، لدرجة بأن ابنة أحد الفقهاء قامت بالتصدق عليه برغيفي خبزٍ يوميَّاً.
طلب الخليفة المستنصر العون من والي عكا (بدر بن عبد الله الجمالي، وكانت مدينة عكا الفلسطينية في ذلك الوقت تابعةً للخلافة الفاطمية، فاشترط الجمالي القدوم برجاله ليفرض سيطرته على مصر، ليتمكن من إعادة الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً بالقوة، ولم يكن من المستنصر إلا الرضوخ لهذا المطلب، وقام بتعيين الجمالي وزيراً للبلاد.
حيث قام الأخير مباشرةً بإصلاح القنوات وأنظمة الري، وصب جل اهتمامه على الزراعة، وشن حرباً على الخلافات والصراعات، وقام بطرد المتناحرين من مصر، ووهب الفلاحين كامل المحاصيل في السنوات الثلاثة الأولى لاستلامه السلطة، وفي السنة الرابعة كان الناتج له، ونتيجةً لحكمة جمالي وعدله بدأت مصر تعود تدريجياً لسابق عهدها، ونفضت عن نفسها آثار تلك الأيام العصيبة التي مرت عليها، حتى فاض نهر النيل، فجلى آثار الموت عن أرضها، وعمَّ الخير.
لأرض مصر كل السلام.
لماذا سمي العصر العباسي بالعصر الذهبي
قصة عيد الحب الحقيقية
أحمس الأول وحربه مع الهكسوس
جميع الحقوق محفوظة © 2020 | موقع أجراس