حضارات بلاد الشام

حضارات بلاد الشام، نشأة حضارة بلاد الشام، الحضارة الآمورية، الآموريون أو العموريون، الحضارة الكنعانية، الحضارة الفينيقية، الحضارة الآرامية (الآراميون)، نبذة ت

  • 1957 مشاهدة
  • Feb 04,2022 تاريخ النشر
  • الكاتب علي ف ياغي
  • ( تعليق)
حضارات بلاد الشام

حضارات بلاد الشام

 

لبلاد الشام حضارةٌ راسخةٌ في أعماق الأرض، تدل على جذور ساكنيها، وهويَّة أصحاب الأرض فيها، وتضم منطقة بلاد الشّام؛ والمعروفة باسم (سورية القديمة)، أربع دولٍ قسَّمها الاستعمار باتفاقيَّة (سايكس بيكو)، وهذه الدول هي : (سوريا، الأردن، فلسطين، ولبنان).

 

 تطل بلاد الشام على سواحل البحر الأبيض المتوسِّط غرباً، لتصل إلى الجمهوريَّة العراقيَّة من الجهة الشرقيّة، ومن الجنوب تحدُّها المملكة العربية السعوديَّة والبحر الأحمر، أمَّا من جهة الشمال فتحدُّها تركيا.

 

يضاف إلى ذلك أنَّ تاريخ بلاد الشام يُحاكي حضاراتٍ عريقة موغلةً في القدم، وتشهد آثار المنطقة بأنَّها الموطن الأم لأوَّل الحضارات، ونذكر منها: (الآشوريّة، والآراميّة، والفينيقيّة، والكنعانيّة، والأكادية)، لتكون هذه الحضارات المُتعاقبة منذ آلاف السنين شاهدةً على حضارة بلاد الشّام، ولذلك سُميت دمشق بأنَّها أوَّل عاصمةً مأهولةً في العالم.

 

نشأة الحضارة في بلاد الشام

إنَّ موقع بلاد الشام المُميَّز، والتنوُّع الجغرافي فيها؛ ساهم بنشوء أعرق الحضارات على أرضها، فأهميَّة بلاد الشام تكمن بموقعها المتوسِّط بين دول الشرق الأوسط، لأنَّها حلقة الوصل بين العديد من الحضارات النهريّة؛ مثل حضارة الرَّافدين، إضافةً لحضارة وادي النِّيل، ونضيف على ذلك إطلالتها على الحضارات البحريّة المارَّة بالبحر الأبيض المتوسِّط، مثل الحضارة اليونانيّة.

 

كما ساهمت سورية بممراتها الطبيعيّة التي تقع بين البحر الأبيض المتوسِّط والخليج العربي؛ بعبور العديد من الأعراق المُختلفة، بحضاراتهم المتنوِّعة، فأثّر ذلك على حضارة بلاد الشام وتاريخها، وبسبب طبيعة بلاد الشام وجغرافيَّتها التي لعبت دوراً أساسيَّاً بتعاقب الحضارات المُختلفة على أرض هذه المنطقة.

 

وتميُّزها بوجود بحيراتٍ كثيرة، وجبالٍ، وسهولٍ، وأشجار متنوّعة، بالإضافة للينابيع والعيون المائيّة، والأنهار، ويُضاف إلى ذلك أنَّ أرض بلاد الشام تتمتع بخصوبة تربتها، وجودتها العالية، والتي ساهمت بشكلٍ كبير في وفرة الإنتاج الزراعي وجودته، والجدير بالذِّكر أنَّ هناك العديد من الحضارات التي تعاقبت على بلاد الشام، ندكر منها:

  • الحضارة الآموريّة (الآموريون أو العموريون):

 وهم مجموعةً من الشعوب الساميَّة الغربيَّة الذين هاجروا في وقتٍ مبكّرٍ من شبه الجزيرة العربيَّة باتجاه بلاد الشام، وكما أكدت الأبحاث والدِّراسات التاريخيَّة، فإنّ سُكان العراق القدامى هم السومريين والأكديين، وهم أوّل من أطلق عليهم اسم الآموريُّون أو العموريون، وهي كلمةٌ مُشتقّة من (أمورو)، (عمورو) باللغة الأكادية الساميَّة، فكلمة "مار – تو" في اللغة السومريَّة هي إشارةٌ إلى جهة الغرب .

 

وتمركز العموريُّون بدايةً ضمن الأقسام الشماليّة من بلاد الشام، ثمَّ بعد هذا بدأ انتشارهم بالامتداد إلى سوريا، ولبنان، ثمَّ فلسطين، وبحسب ما ذُكِر فإنَّ أصل كلمة (لبنان)، يعود إلى الآموريين، وذات الأمر في منطقتي (صيدون، وعسقلان).

 

ويٌذكر أنَّ الآموريُّون أنشأوا في بلاد الشام العديد من الإمارات الهامَّة؛ مثل إمارة ماري أو (تل الحريري)، وأرواد، وقَطنة، وحماة، ودمشق، والبترون، وجبيل، وهداكو (حلب)، ووفقاً للوثائق التاريخيَّة العديدة؛ تمّ فرض السَّيطرة على منطقة بلاد الشام من قبل الأمراء الآموريين عام ١٨٠٠ قبل الميلاد.

 

وتجدر الإشارة إلى أنّ الملك حمورابي قضى على آخر ملوك ماري ودمَّر مملكتهم، وذلك بحسب ما هو موجودٌ ضمن وثائق (ماري) التي تحوي أكثر من عشرين ألف لوحٍ مسماريٍّ مكتوب باللغتين الآموريَّة والساميَّة الغربيَّة، وإنَّ ( زمري ليم ) الألواح المحفوظة، والتي تعود في تاريخها من (1730 إلى 1700) قبل الميلاد، كما أنَّ الحضارة الآموريَّة عايشت العديد من الثقافات الحضاريَّة، ويرجع ذلك لانتشارهم الواسع في أماكن عديدة ومتباعدة.

 

وفي العموم فرضت طبيعة المنطقة على سُكَّانها الحياة الزراعيَّة، بما فيها من تربيةٍ للمواشي؛ مثل الأغنام والماعز، وهي إحدى الأسباب التي غلبت عليهم قبل الاستقرار، بحيث كانت الحمير هي الوسيلة الرئيسيّة للتنقُّل وحمل الأمتعة من مكانٍ لآخر، وعلى خلاف الشُّعوب البدويَّة الأخرى التي كانت تعتمد في تنقُّلها على الجمال.

 

ومن جهةٍ أخرى تميّز الآموريون بصنع الفخَّار، وصُنع أدواتٍ للزينة كانت تختلف وتتميَّز بها عن أدوات باقي الشعوب الذين كانوا يصنعون الفخَّار، وعمل الآموريون بالصيد، واشتهروا به لاستخدامهم الأسلحة الحديثة، كما أنَّهم عُرِفوا بالتشريع، مما يدل على فهمهم بجوانب الحياة الاقتصاديَّة والاجتماعية، وتُعتبر شريعة حمورابي الشَّهيرة هي من أهمّ الأمثلة المشهورة على نظام التشريعات لديهم.

 

  • الكنعانيُّون:

وهم الجماعة الساميَّة الثانية، فالكنعانيُّون استوطنوا بلاد الشام، وأطلقت عليهم هذه التسمية (الكنعانيون) نسبةً إلى جدّهم (كنعان)، وذلك بحسب عادات القبائل العربية، والتي كانت تعتمد في تسمياتها على أسماء الآباء، كما ويذكر البعض أنّ بلاد كنعان اسم يُشير إلى الأراضي السهليَّة التي تقع على ساحل الخليج العربي.

 

 ويُرجِّح آخرون أنّ الاسم مُشتقّ من أصولٍ ساميَّة، وهي (خنع، قنع، كنع)؛ وهذه الكلمات تدل على الأرض المُنخفضة بالرُّجوع إلى أصل الكلمة العربي، ويجب التنويه إلى أنّ الكنعانيين يتحدّثون بلغةٍ مشابهةٍ للغة الشَّعب الآرامي، وهم ينتسبون إلى موجة هجرة واحدة، حيث هاجر كلِّ منهما معاً عام 2500 قبل الميلاد، إلا أنّ الكنعانيين استوطنوا في المنطقة الجنوبيَّة من سورية، ويُعتبر الكنعانيُّون من أوَّل الشعوب المعروفة التي سكنت تلك المناطق.

 

 وهم أوَّل الشعوب الذين بنوا حضارةً على أرض فلسطين، كما يعود الفضل إليهم في تأسيس العديد من الممالك مثل: (طرطوس، وصيدون، وصور، وبيروت، وحبرون، ويبوس، ومدين، وعكو، وبيسان، وعمون)، ويجب التنويه إلى أنَّ الكنعانيون هم أكثر الشعوب الساميَّة اهتماماً بالفنِّ والموسيقى، إلى جانب اهتمامهم بالزِّراعة والعديد من الصِّناعات، مثل صناعة الخزف، والثياب، والنسيج، والزُّجاج، والتعدين، وفنِّ العمارة.

 

  • الفينيقيُّون:

 يرجع الفينيقيُّون بأصولهم إلى ذات القبيلة التي جاء منها الآمورييُّون، ويُسجَّل أنَّهم استقرّوا في بلاد الشام بعد هجرتهم من شبه الجزيرة في نهاية الألفيَّة الثالثة قبل الميلاد، لكنَّ المؤرّخ الإغريقي (هيرودوت) يرى أنّهم أتوا من منطقة البحر الأحمر، واستقرّ الفينيقيُّون على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وامتدَّ موطن الفينيقيُّون من مصب نهر العاصي إلى نهر عكا جنوب فلسطين، مروراً من بسلسلة الجبال في اللاذقيَّة ولبنان.

 

واختلفت الآراء حول سبب تسمية الفينيقيُّون بهذا الاسم، بحيث يرى بعض المؤرِّخين أنّ كلمة فينيقيا ترجع في أصلها إلى كلمة (Phoinix) اليونانيَّة الدَّالة على اللون الأرجواني، لأنَّ المنطقة اشتهرت اللون بسبب صناعة الأصباغ، لكنَّ البعض يرى أنّها ترمز إلى طائر الفيينيق الأحمر، وهنالك من يرى أنها مُشتَقَّةٌ من الكلمة اليونانيَّة (فينقس)، والتي تعني شجرة النَّخيل.

 

كما عُرِف الفينيقيُّون بصيد السمك، إضافةً للعديد من الصناعات، مثل صناعة الأقمشة الصوفيَّة أرجوانيَّة اللون، وصناعة الزُّجاج بسبب توفُّر الرَّمل الناعم، واشتُهروا بالتِّجارة، بسبب الموقع الجغرافي الهام بجوار سواحل البحر المتوسِّط؛ حيث كان هذا الموقع حلقة الوصل بين مناطق العالم القديم، فالطريق التِّجاري الذي يربط بين مصر والأناضول لا بُدَّ أن يمُر من أرضهم، وأيضاً للطريق الرَّابط بين بحر إيجة وبلاد الرَّافدين، إضافةً إلى ذلك ازدهرت تجارة الأخشاب، بسبب كثرة أشجار الأرز والسَّرو والصنوبر، والتي استُخدِمت في صناعة السُّفن.

 

  • الآراميون:

 وهم الجماعة الساميَّة الثالثة التي استوطنت بلاد الشام، بعد أن هاجروا من الصَّحراء السوريَّة، لينتشروا في منطقة ما بين النَّهرين (دجلة والفُرات)، ثم استقرّوا في حرّان حتَّى بداية القرن 14 قبل الميلاد، ليستقرَّ بهم المطاف في بلاد الشَّام، ويعملوا على تأسيس العديد من الممالك في المنطقة.

 

أطلق الأشوريُّون اسم (أرامو أو أرومو) على سُكَّان بلاد آرام، واسم آرام يعود بتاريخه إلى عام 2250 قبل الميلاد، أي في عهد نارام سين، ورجَّح بعض المؤرِّخون أنّ جدَّ الآراميين هو (آرام)، الابن الخامس لسام بن نوح، وأنّ اسم الآرميين يعود له، كما اشتُهِر الآراميُّون بالتِّجارة.

 

 فاحتكروا تجارة الهلال الخصيب لفترةٍ زمنيَّةٍ طويلة، ويُعتبر الكتّان والأرجوان الفينيقي، والعاج الإفريقي، ولؤلؤ الخليج العربي من أشهر تجاراتهم، والجدير بالذِّكر أنَّ موازينهم البرونزيَّة مازالت موجودةً في سوريَّة ولبنان، وفلسطين، والعراق، وهي الشَّاهد على تاريخهم التجاريّ.

 

مقالات متعلقة في حضارات