الإمبراطورية الآشورية حضارة بلاد ما بين النهرين

الحضارة الآشورية، الإمبراطورية الاشورية، الحضارة الآشورية وانجازاتها، اين تقع الحضارة الاشورية، تاريخ الحضارة الاشورية، مناطق حكم الامبراطورية الاشورية

  • 1777 مشاهدة
  • Jul 05,2021 تاريخ النشر
  • الكاتب Ghada Halaiqa
  • ( تعليق)
الإمبراطورية الآشورية حضارة بلاد ما بين النهرين

الإمبراطورية الآشورية

حضارة بلاد ما بين النهرين

 

في الألفيَّةِ الأولى ق.م، كانت حضارة بلاد ما بين النَّهرين القديمة رائدة، حيث قامت هناك أولى الإمبراطوريّات الحقيقيَّة مُتعدِّدة الجنسيَّات في تاريخ العالم ككل، وكانت الإمبراطورية الآشوريَّة أولى تلك الإمبراطوريّات، فقد ظهرت المملكة الآشوريّة كقوةٍ إقليميَّة رئيسيَّة في الألفيَّة الثانية ق.م، ومع ذلك وفي أوائل الألفيَّة الأولى ق.م، قام الآشوريّون بتوسيع مملكتهم إلى إمبراطوريَّةٍ ضخمة تغطِّي مُعظم مساحة الشَّرق الأوسط.

سأركّز في هذه المقالة على الفترة الواقعة بين 911 ق.م  و611 ق.م؛ حيث شكَّلت هذه القرون الثلاثة أحد الفصول الأخيرة في تاريخ بلاد ما بين النهرين القديمة.

 

التسلسل الزمني للتاريخ الآشوري

  • بدأ الملك أداد نيراري الثَّاني (911 - 891 ق.م)، المعركة الآشوريَّة ضِدَّ الغُزاة الآراميين.
  • بدأ الملك آشور ناصربال الثَّاني (883 - 859 ق.م)، فترة الحملات الكبيرة في جميع أرجاء الشَّرق الأوسَط، والتي اجتاحت جزء كبير من بلادهم بعد ألف ق.م.
  • يرى الملك شلمنصر الثَّالث (شولمانو أشارند) (858 - 824 ق.م)، ذَروة القوَّة الآشوريَّة المبكِّرة، ولكن تعقُبها فترةً من الضَّعف وعدم الاستقرار.
  • قام الملك تيغلاث بلاسَر الثَّالث (744 - 727 ق.م)، بتنفيذ العديد من الإصلاحاتٍ واسِعة النطاق، ونتيجة هذا الإصلاحات نشأت الإمبراطورية الآشورية الحقيقيَّة.
  • الملك سِرجون الثَّاني (722 - 705 ق.م) يغزو ويدمِّر مملكة إسرائيل.
  • الملك سنحاريب (705 - 681 ق.م) أقال مدينة بابل عام 689 ق.م.
  • الملك أسرحدون (681 - 669 ق.م) وسّع نطاق الإمبراطوريَّة الآشورية إلى أقصى حدّ، من خلال غزو مصر (671 ق.م).
  • الملك آشور بانيبال (669 - 627 ق.م) يرأس المرحلة الأخيرة العظيمة للإمبراطوريَّة الآشورية.
  • في السَّنوات التي أعقبت وفاة الملك آشور بانيبال، اجتاحت الثَّورات والغزوات إمبراطوريّة آشور، وأدّت إلى دمارِ مُدنها، أعقبها دمار باقي البلاد في 612 م - 11 ق.م.

 

الموقع الجغرافي للامبراطوريّة

كانت مملكة آشور القديمة تقع إلى الشّمال من دولة العراق حاليَّاً، تحُدُّ تلك المملكة من الشَّرق سوريا، وجنوب شرق آسيا الصُّغرى، وقد غطَّت في امتدادها الجُزء الشّمالي من سهل بلاد ما بين النَّهرين، مع تدفُّق نهر دجلة عبرها، وكانت الأرض مُحاطةً من شرقها وشمالها بجبال زاغروس، ومن الغرب والجنوب كانت الأرض الصحراء.

 

أمّا المناخ في شمال بلاد ما بين النَّهرين فهو أكثرَ برودةً منه في جنوبي البلاد، ومُستويات هطول الأمطار هُناك أعلى، وهذا يعني بأنَّ الرِّي ليس ضرورياً للزِّراعة، على الرَّغم من أنّ هذا هو الحال مع الزِّراعة في أجزاء كثيرة من العالم، وهذا الأمر يسمح بزراعة محاصيل أكثر كثافةً وغنى مِمَّا يُمكن أن يكون عليه الحال بخلاف ذلك.

 

كانت الإمبراطوريّة الآشوريّة تنتمي إلى عالمِ بِلاد ما بين النَّهرين القديمة، ورغم ذلك فقد كان المجتمع الآشوري غارقاً في ثقافة بلاد ما بين النهرين منذ العُصور المبكِّرة، لكنّه أيضاً  قام بتطوير بعض السِّمات المميَّزة الخاصَّة به.

يدل موقع الإمبراطوريّة الآشوريّة المكشوف - المتاخم لأراضي الشعوب الجبليَّة المُحاربة، ورِجال القبائل الصحراويَّة - بأنَّ شعبها قد طوَّر تقليداً عسكريَّاً قويَّاً، وهذا التقليد هو الذي مكَّنهم من النّأجاة خلال فترات الغزو.

 

 تُعتبر الإمبراطوريّة الآشوريّة أكبر إمبراطوريَّة شهدها تاريخ العالم حتَّى وقتنا هذا، فقد امتدَّت في فترة أوجها من مصر إلى الخليج الفارسي، وتمكّنت من الاستيلاء على المَناطق التي تغطِّيها الدّول الحديثة مثل فلسطين ولُبنان وسوريا والعراق، بالإضافةِ إلى أجزاء من الأردن، أضافةً إلى تُركيا وأرمينيا، وإيران في الطَّريق.

 

تاريخ الامبراطوريّة الآشورية

كانت  الإمبراطوريّة الآشورية جزءاً لا يتجزأ من عالم بلاد ما بين النَّهرين القديم، وقد أصبحت هذه الإمبراطوريّة تحت تأثير الحضارة السومريَّة بشكلٍ متزايد منذ الألفيَّة الرّابعة ق.م وما بعدها، وفي الألفيَّةِ الثانية ق.م، أصبحت واحدةً من القوى العُظمى في العصر البرونزي في منطقة الشَّرق الأوسط،، جنباً إلى جنب مع الإمبراطورية الحيثيّة، لتتحول إلى المملكة الجديدة لمصر وبابل.

 

شهد العام 1000 ق.م أزمةً عامَّة في الشَّرق الأوسط، ولم تنجو آشور من هذه الأزمة، فقد تقلَّص حجمها إلى جزءٍ صغير من حجمها السابق، ومع ذلك، وقبل منتصف القرن التاسع قبل الميلاد، كانت آشور قد كررت الهجوم مرةً أخرى، وبعد نحو قرن من الزمان كانت قد غزت مساحات تغطِّي جميع بلاد ما بين النهرين وسوريا.

 

 بالإضافة إلى أجزاء من  آسيا الصُّغرى، وفلسطين وإيران، ومناطق طوروس وزاغروس وهكذا، وبعد نحو مائة عامٍ أو أكثر قليلاً، تمكّنت الامبراطوريّة الآشوريّة من السَّيطرة على مِساحاتٍ شاسعة من الشَّرق الأوسط، قبيل انهيارها في القرن السَّابع ق.م.

 

حكومة الإمبراطوريّة الآشورية وإدارتها

 

كما هو الحال مع جميع دول بلاد ما بين النهرين، كانت آشور ملكيَّة، كان الملك هو الحاكم المُعين من الله والقوّة للشعب الآشوري، وقد ادَّعت ألقابه السيادة العالميَّة كـ(الملك العظيم، الملك العظيم، ملك الكون، ملك بلاد آشور).

مثل كل ملوك بلاد ما بين النَّهرين السابقين، كان ملك آشور هو الممثِّل المُعين للإله القومي على الأرض (في هذه الحالة آشور) كان النَّائب الأوَّل، والمدير العام، وقبل كل شيء القائد العام للجيش الآشوري.

 

محكمة الملك العظيم

 

كان الملك مُحاطاً ببلاطٍ كبير من الوزراء والمسؤولين والخدم، وكان من بين كبار وزرائه رئيساً للجيش ومُستشاراً، ربَّما كانا يترأسان هيئة الأركان الإداريَّة الكبيرة، وكان هُناك أيضاً مسؤولو القصر الذين يُديرون المنزل الملكي الضَّخم، بالإضافة إلى المباني والأراضي.

 

لا بُدَّ أنَّ دور بعض هؤلاء المسؤولون المقرّبون من الملك كـ(رئيس الكؤوس)، قد قام بطمس الخطَّ الفاصل بين المحلّي والعامَّة،: فإن تمكّن من نيل ثقة الملك، فمن المؤكَّد بأنَّه  قد مارس تأثيراً كبيراً على شؤون الدَّولة، وبهذا فإنَّ الجزء الأكبر من المسؤولين الملكيين قد تم تجنيدهم من الطَّبقة الأرستقراطيَّة الآشورية، ومع ذلك فقد جاء البعض منهم من أصولٍ متواضعة، بل وحتَّى من طبقة العبيد.

 

كان عددٌ كبيرٌ من مسؤولي القصر، كما هو الحال مع العديد من المحاكم الشرقية من الخصيان، حيث أنَّ عمليَّة إخصاء الرَّجل قد حرَّرته نظريَّاً لخدمة مصالح الملك وحده، وليس مصالح علاقاته الشخصيّة، ومع وصول تدفق هائل من المراسلات إلى القصر من جميع أنحاء العالم الآشوري وما وراءه؛ وهذا الأمر يعني أنّ هُناك حاجة إلى طاقم من الكتبة للتَّعامل مع تلك المراسلات، أمّا مهمّة كبار المسؤولين والوزراء تنحصر في تحديد الأمور التي تتطلَّب اهتمام الملك نفسه.

 

من الواضح أن سُلالة الملوك العُظماء الذين حكموا آشور قد تعاملوا مع كل الأمور المُهمَّة للدولة بشكلٍ شخصي، وربَّما أكثر من ذلك بكثير، فقد كانت الملكيَّة الآشورية مرةً أخرى  مثل كل ممالك بلاد ما بين النهرين، وراثيِّة، أي أنّ السُّلطة تنتقل من الأب إلى الابن، حيث يتم تعيين أحد أبناء الملك وليَّاً للعهد وتدريبه لخلافة والده.

 

المملكة والإمبراطورية الآشورية

 

تم تقسيم منطقة الشَّرق الأوسط التي يُهيمن عليها آشور إلى الوطن الآشوري مملكة آشور، ومنطقة أكبر بكثير.

في الأزمنة السَّابقة كانت ممالك التبعيَّة تُغطِّي هذا المساحات، ولكن فيما بعد كان الكثير منها يُحكم مباشرةً من البلاط الآشوري من خلال حُكَّام المُقاطعات.

 

مملكة آشور

 

في المركز (إن لم يكن جغرافيَّاً، فإنّه بالتأكيد سياسيَّاً واجتماعيَّاً) كان يقف الوطن الآشوري، فهنا كانت تقع العاصمة الآشورية بقصورها الرَّائعة وحدائقها ومعابدها، وكانت العاصمة الأصليَّة آشور، أيضاً مركزاً لعبادة الإله الرَّئيسي الذي يحمل نفس الاسم، وبعد فترة طويلة من توقّفها عن كونها مركزاً للحكومة، تمَّ تبجيلها كمدينةٍ مقدَّسة.

 

كانت نينوى عاصمة الإمبراطورية الآشوريّة في خضم أوجها، وبالتَّالي من الطّبيعي أن تكون واحدة من أكبر مُدن العالم في ذلك الوقت، وكان للمملكة عواصم أخرى في أوقات مختلفة، حيثُ كانت نمرود عاصمة المملكة لفترةٍ وجيزة، وتحديداً في عهد الملك سرجون الثاني، وكانت تُسمّى أيضاً دور شاروكين أي (قلعة سرجون).

 

كان الآشوريون يعملون في الزراعة، كباقي الشُّعوب ما قبل الصناعة، وكانت جميع الأراضي من الناحية النظرية مُلكاً للملك، وفي الواقع كان الملك يمتلك بالفعل عقارات شاسعة، ومع ذلك فقد سيطرت الأرستقراطيَّة المالكة على الأرض أيضاً؛ وذلك من خلال تولّي مناصب عامَّة محليَّة، ورُبَّما سيطرت هذه على العديد من المحليَّات، وهناك احتمال  بأن تحجيم نفوذهم في البلاط هو بسبب أنَّ الملوك الآشوريين كانوا يحوِّلون عاصمتهم إلى مدنٍ مختلفة من وقتٍ لآخر.

 

بطبعة الحال فإنَّ جميع الآشوريين مدينون بواجباتٍ للملك، فقد كان جميع الذُّكور البالغين مستحقين للخدمة العسكريَّة، وكان جوهر الجيش الآشوري مكوناً من هؤلاء الرِّجال، فعندما لا يكون هناك حملات، فإنّهم يشكلون احتياطيّاً لتجنيد الجنود منهم، ففي الأوقات الحرجة، يتم استدعاء نسبة كبيرة، وربَّما حتَّى الغالبيَّة  من الشباب، ويُمكن أيضاً استدعاء العديد  منهم للقيام بأنواع أخرى من الخدمات، فعلى سبيل المثال يُمكن العمل في العقارات الملكية أو في مشاريع البناء الملكية واسعة النطاق وغيرها.

 

بعيداً عن العاصمة، تمَّ تقسيم الوطن الآشوري إلى عددٍ من المناطق، فقد أدَّت الإصلاحات إلى جعل هذه الانقسامات المحليَّة أصغر وأكثر عددًا، ممَّا سهّل سيطرة الحكومة المركزيَّة عليها، وقد تمَّ تقسيم هذه المناطق بدورها إلى مناطق فرعيَّة، تحت قيادة زُعماء محليين (ربما تم تعيينهم من أحد أعضاء عائلة محليَّة رائدة)؛ وهذه التقسيمات كانت تسمّى بلدات.

 

الممالك التابعة للإمبراطوريّة الآشوريّة

 

حتى منتصف القرن الثامن ق.م، كان الوطن الآشوري مُحاطاً بمساحة واسعة من الأراضي في بلاد ما بين النَّهرين وسوريا وشرق الأناضول وغرب إيران - وهي جزء كبير من الشَّرق الأوسط - مكوّنة من ممالك تابعة لطاعة الملك الآشوري، وبالتاي عليهم إرسال القوَّات للقتال مع الجيش الآشوري وتكريم البلاط الآشوري.

 

كانت معظم هذه الممالك التابعة عبارة عن دويلات صغيرة، وكان الاستثناء من ذلك هو جنوب بلاد ما بين النهرين، والتي كانت منذ أيَّام حمورابي تُحكم في الغالب من بابل، وكانت هذه المنطقة الاقتصاديَّة الرئيسيَّة هي المنطقة الأساسيَّة لحضارة بلاد ما بين النهرين، حيث عوملت باحترامٍ ومُراعاة أكبر بكثير من أي أجزاء أخرى من مجال النفوذ الآشوري، فقد تظاهر الملك الآشوري بأنَّه حامي ملك بابل، ويُقاتل نيابةً عنه ضدَّ أعدائه.

 

مقاطعات الإمبراطوريّة الآشورية

 

حتى منتصف القرن الثامن ، كانت موطن الآشوريين والأرض الأكبر والمتوسعة التي تحتلها الممالك التابعة ، قد شكلت منطقتين للسلطة الآشورية. فمنذ عهد الإصلاحات التي قام بِها الملك تيجلاث بليسار، تمَّ وضع منطقةً ثالثة بين هاتين المنطقتين الأقدم، فيما تمَّ وضع جزءٍ كبير من الأراضي التي يُسيطر عليها الآشوريُّون تحت السَّيطرةِ المُباشرة للبلاطِ الآشوري.

 

غطّت هذه المنطقة الكثير من بلاد ما بين النّهرين وسوريا، وبذلك أُلغيت الممالك التَّابعة الصَّغيرة، واستُبدل ملوكها بمسؤولين قام الملك الآشوري بتعيينهم، وقد تمَّ دعم حُكَّام المُقاطعات هؤلاء من قبل حامياتٍ جديدة من القوَّات الآشورية المتمركزة في المُقاطعات بشكلٍ دائم، كما تمَّ إخضاع بابل للسَّيطرة الأشوريَّة المُباشرة، ولكن بطريقةٍ مُختلفة عن الممالك التَّابعة الأصغر، فلم يعد العرش البابلي محتلاً من قبل سُلالة محليَّة ، ولكن من قبل أحد أفراد العائلة المالكة الآشوريّة.

 

في البداية كان هذا هو ملك أشور نفسه، الذي أصبح بالتالي ملكاً لآشور وبابل، فقد حكم البلاد من خلال منصب نائب الملك (وهو حاكمٌ يتمتَّع بسلطات واسعة جدًا)، وفي وقتٍ لاحق، قام ابن أو شقيق أصغر لملك آشور باحتلال عرش بابل كملكٍ تابع، وتمَّ إنشاء نظام اتصالات فعَّال بين البلاط الملكي وحُكام المُقاطعات.

 

 يتألَّف من سُعاة خاصين ينقلون الرَّسائل بسرعة بين الملك (أينما كان) وحكامه، كما تمَّ استخدام إشارات النار، والحفاظ على الطُّرق في حالةٍ جيِّدة، وتمَّ بِناء الجسور الخشبية، وشقِّ الطرق المعبَّدة عبر الأراضي الجبلية لتسهيل المرور السريع للرَّسائل، كان كلُّ هذا النظام بمثابة مقدِّمة لشبكات الطُّرق الإمبراطورية اللاحقة في الإمبراطوريات الفارسيَّة والهيلينستيَّة والرومانيَّة، كما أدار الآشوريون خدمة تجسُّس حكوميَّة، ليبقوا أنفسهم على اطِّلاعٍ بالاضطرابات المُحتملة.

 

وبهذا، ومنذ منتصف القرن الثامن ق.م، تحوَّلت آشور إلى القوَّة المهيمنة في المنطقة، واستولت على العديد من الممالك الأصغر أو الأضعف، إلى  جانب أنّها تحوّلت إلى إمبراطوريَّة حقيقيَّة مع حكومة مركزيَّة، ومن هنا كان لهذه الإمبراطوريّة تأثيراً هائلاً على كافة الإمبراطوريّات التي تكوّنت لاحقاً، وذلك لأنَّ الامبراطوريّة الآشوريّة كانت الرّائدة في تقنيات إدارة إمبراطوريّة ضخمة على مر العصور.

 

 فقد قام الآشوريون - مثل بلاد ما بين النهرين - بنشر قانونهم الخاص، وكان هذا القانون أطول بكثير من قانون حمورابي، وأكثر تعقيداً، من حيث أنه دخل في مزيدٍ من التفاصيل في حالاتٍ معيَّنة، ومع ذلك فقد كان الأمر أكثر قسوةً بشكلٍ ملحوظ، مع فرض عقوباتٍ أكثر وحشيَّة على مُرتكبي المُخالفات، وهذا يفسّر سبب عسكرة المجتمع الآشوري.

 

عدم الاستقرار السياسي في الإمبراطوريّة الآشورية

 

عانى نِظام الحُكم الآشوري من نوباتٍ مُنتظمة من عدم الاستقرار، شأنها في ذلك شأن العديد من الأنظمة الملكيَّة الأوتوقراطيَّة، وقد كان النِّظام يُعاني من ضعفٍ في صميمه: فكلّما مات ملك - اغتيل العديد من الملوك الآشوريين –تبدأ مشاكل تنافس الأمراء على العرش، حيث كان على الملوك أن يشقّوا طريقهم إلى العرش، من خلال الحروب الأهلية التي تمتدُّ أحيانًا لعدَّة سنوات.

 

لم تكن هذه النزاعات بالضَّرورة بين أفراد مختلفين من العائلة المالكة، من الطبيعي أنَّ هذه الفصائل ستدعمها فصائل من طبقة النُّبلاء الآشوريين، فقد يكون لبعض هؤلاء النبلاء جذوراً في مناطق معيَّنة ، على سبيل المثال في العاصمة ومحيطها، ولهذا السبب، وبمجرَّد أن يهزم الملك منافسيه، يقوم بنقل العاصمة إلى مدينةٍ أخرى، أو بناء مدينة جديدة تمامًا، للتقليل من تأثير هؤلاء النُّبلاء الذين عارضوه.

 

وبطبيعة الحال ، استغلَّت الشعوب الخاضعة لآشور هذه الحروب الأهلية في محاولة لتحرير نفسها من نير الآشوريين الثقيل على مدار تاريخهم.

وبسبب مكانتها الكبيرة وثروتها، لعبت منطقة بابل دوراً رئيسيَّاً في ديناميكيَّات النِظام السياسي الآشوري، وكان لعادة تعيين الإخوة الأصغر لملك أشور ملكاً على بابل تأثيراً مُعاكساً للغاية المنشودة من هذا التعيين، فقد كان من المأمول أن يتم وضع هذه المنطقة الرئيسيَّة تحت سيطرة الملوك الآشوريين، ولكن لسوء الحظ، وعلى الرَّغم من علاقاتهم العائليَّة الوثيقة بالملوك الآشوريين، كان ملوك بابل يميلون إلى التمرّد عليهم، وكانت الثورات في مثل هذه المنطقة المهمَّة من الإمبراطوريَّة مسألةً خطيرة بالنِّسبة للملك الآشوري.

 

 بدأت إحدى فترات عدم الاستقرار هذه عام 652 ق.م، عندما حشد ملك بابل دعم العديد من أعداء آشور في ثورةٍ ضدَّ أخيه الأكبر ملك آشور، واستغرق الأمر سنوات عديدة من القتال الشَّاق من أجل إخماد هذه الثورة، وبعد جيلٍ من تمرُّدٍ آخر من قبل ملك من ملوك بابل سيعجِّل بسقوط آشور نفسها، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الملك في تنصيب نفسه ملكاً على آشور.

 

 ومع ذلك، وبسبب تشتُّت القوَّات الآشورية بسبب الحرب الأهلية، فقد أعلنت العديد من الشُّعوب الخاضعة لآشور مرَّةً أخرى استقلالهم عن الإمبراطوريّة. أغار السكيثيون والسومريّون من السُّهوب شمالي البحر الأسود دون رادع عبر الأراضي الآشورية في الأناضول وصولاً إلى شمال آشور، وانفصلت بابل نفسها تماماً عن الحكم الآشوري، وسُرعان ما استسلمت آشور للغزوات التي شُنّت عليها من جميع الجهات.

 

الإمبرياليّة الآشورية وشواهدها

 

كانت الإمبريالية الآشورية شديدة التنوّع، وعلى ما  يبدو بأنَّ الجزية المفروضة من الممالك التَّابعة كانت ثقيلةً للغاية، فقد كانت تقف عائقاً أمام تعزيز الرفاهية الاقتصاديَّة للشعوب الخاضعة، ويتضح هذا الأمر جليّاً من خلال البقايا الفقيرة للعديد من البلدات والمُدن من تلك الفترة؛ ووقد تسببت هذه الإمبرياليّة بإثارة ثورات متكرِّرة، على الرَّغم من المصير القاسي الذي ينتظر الثوَّار المهزومين.

 

وعلى النقيض من ذلك، تكشف بقايا المُدن في الوطن الآشوري عن روعة ورفاهية لا مثيل لها في الشرق الأوسط القديم حتَّى ذلك الوقت، ويُشير هذا بوضوح إلى أنَّ النِّظام الإمبراطوري الآشوري كان مُحركاً لجمع الثروة من المقاطعات لصالح الطَّبقة الحاكمة.

 

الديانة في الإمبراطورية الآشورية

 

شارك الآشوريّون في دين حضارة بلاد ما بين النَّهرين بشكلٍ عام، وتتضمَّن عبادة العديد من الآلهة، وعلى الرَّغم من أن الإله آشور هو الإله الوطني لآشور، فقد احتلَّ المكانة الرئيسيَّة في البانثيون (معبد كلّ الآلهة).

 

مثل جميع سُكان بلاد ما بين النَّهرين ، كان لدى الآشوريين إيمانٌ عميق وشامل بالعلامات والبشائر، فإن شعروا أنَّ الآلهة كانت ترغب دائماً في توصيل رغباتها إلى النَّاس، من خلال حركات الشمس أو القمر أو النجوم، أو هروب الطيور، وما إلى ذلك، في هذه الحالة لن يتم اتخاذ أي قرار رئيسي دون استشارة الكهنة حول ما إذا كان ذلك في إرادة الآلهة، وتشمل ذلك القضايا الرئيسيَّة المتعلِّقة بالولاية، وكان للملك طاقمٌ من المنجِّمين الخُبراء لمساعدته في صنع السياسة.

 

مقالات متعلقة في حضارات