عميد الادب طه حسين، حياة طه حسين، طه حسين المعلم، طه حسين والسياسة، لماذا لقب طه حسين بعميد الادب العربي، اهم كتب وروايات طه حسين، طه حسين عميد الادب وبصير لغت
لُقِّبَ بعميدِ الأدبِ العربي ورائدِ الرواية العربيَّة، هو واحدٌ من أبرز الشخصيَّات في الحركة العربيَّة الأدبيَّة الحديثة، ولا تزال أفكار ومواقف طه حسين تُثير الجدل حتَّى اليوم.
طه حسين الرِّوائي العظيم، والأديب المصري العربي العالمي، إنَّه لا يعرف السكينة أبداً، فقد البصرَ ولكنَّه لم يفقد البصيرةَ يوماً، كان ومازال هذا الأديب مثالاً يُحتذى به، انه الكاتب الألمعي صاحب الخبرة في نسج الأفكارِ، كان يُحيك حبكة رواياتهِ كما يغزل النُّول العريق عجميَّةً أو تبريزيَّه.
له سِحرٌ خاص في كتاباته؛ فإذا كُنتَ من مُتذوقي الأدب العربي، ومن عُشَّاق الروايات عزيزي القارئ، فسوف تكتشف عبق هذا الكاتب الضَّرير مع أوَّلِ جملة تُصادِفكَ وأنتَ تقرأ مقطعاً من أحدِ رواياتهِ، يُحاولُ مِراراً وتكراراً ان يوصِل ماضي الأمَّةِ العريق بالمستقبل الحداثوي؛ بعيداً عن العادات والتقاليد الباليةِ، مُتمسِّكاً بعراقة الماضي، هاجراً ظُلم القبيلة وعرفها الجَّائر، يُحاور الحروف و يتلاعبُ بها، كما تَتلاعبُ الرِّيحُ بأوراق الشجر، طه حسين الذي فقد بصره بسبب الرمد في عمر الرَّابعة فقط، وعِوضاً عن أخذه للطبيب لعلاجه، أخذوه إلى حلاق القرية، الذي أعطاه دواءً فكان الدَّاء، فأصبح العمى رفيقه طوال حياته قدراً وجهلاً، لينبت بذور التمرُّد على كُلِّ جهلٍ متوارث.
إنّ أجمل وصفٍ أُطلِقَ على الرَّاحلِ الكبيرِ والأقرب لهُ "بقاهر الظَّلام"، فما أشبهَ طه حسين بأسيرِ المَحبسين الشَّاعر السوري الكبير (أبو العلاء المعرِّي)، من حيثِ الفكرِ والوجدِ والإبداعِ، كان وما زال المُحرِّر الأوَّل للحروف في بلاطِ الحاكمِ العربي، إلى الحُريَّة الحقيقيَّة نحو الشَّوارع البسيطة، والمقاهي الحنونة، والتي منها عبّأ كأس النَّشر، والشِّعر والنثر.
وُلِد الكاتبُ الكبير طه حسين علي سلامة في مصر عام 1889م شهر نوفمبر، بقريةٍ صغيرةٍ من الرِّيف المصري تُدعى (الكيلو)، بمحافظة المنيا، فَقَدَ بصرَه في الرَّابعة من عُمره إثرَ إصابته بالرَّمد، والجَّهل في علاجه كما ذكرنا آنفاً، لكنَّ ذلك لم يَثْنِ والِدَه الفقيرَ - العامل البسيط في معملِ السُكرِ- عن إلحاقه بكُتَّاب القرية، حيث فاجَأَ الصَّغيرُ شيخَه وكل من عرفه بذاكرةٍ حافظة، وذكاءٍ متوقِّد، وبصيرةٍ أغنته عن بصره، ومكَّنَتهُ شخصيته الاستثنائيَّةِ من تعلُّم اللغة والحساب، والقرآن الكريم في فترةٍ قصيرة.
تابَعَ مسيرتهُ الدراسيَّة بخطواتٍ واثقةٍ نحو مستقبله المنشود، حيث التحَقَ بالتَّعليم الأزهري، وأمضى أربعة أعوام فيه، لم يكن راضٍ عنها، ودَوّنَ في روايتهِ الشَّهيرة (الأيَّام)، والتي سرد فيها حياته، ومُعاناته وتجاربه، فقال:
"لقد خاب أملي بالأزهر ومشايخه، وبِطريقة التَّعليم الرَّتيبة البعيدة عن التطوُّر والبحث المَعرِفي، لقد أحسست أنَّ الأربع سنوات أربعونَ سنة".
حين علم أنَّ البريطانيين سيُنشئون جامعةً عِلمانيةً جديدة، كان أوَّل المُنتسبين إليها رغم فقر حالهِ وكففه، وتغلَّب على كافة الصّعوبات، ودخل إلى الجَّامعة المصريَّة عام ١٩٠٨م، وقال حينها أنَّ سعادته كبيرة، وأنَّ أبواب التَّحصيل العلمي بدأت عنده.
حصل طه حسين على درجة الدكتوراة عامَ ١٩١٤م، لتبدأ أولى معاركه مع الفكر التقليدي، والفِكر المُتحجِّر الذي لا يقبل التجديد، حيث أثارَتْ أطروحتُه "ذِكرى أبي العلاء" مَوجةً عاليةً من الانتقاد والرَّفض بين دائرة الفكر التقليدي، إلا أنَّه لم يكترث للأصوات المشكِّكة، وأكَّد أنَّ نهج البحث العلمي، والنَّقد الموضوعي لن يخفت مهما أزعج ذلك أصحاب الرَّأي الجامد.
أوفدَتْه الجَّامعة المصريَّة إلى فرنسا؛ كمنحة أعطيت له بسبب تفوّقهِ وتحصيله العالي، وهناك درس في جامعةِ السوربون، وأَعَدَّ أُطروحةَ الدكتوراة الثانية: (الفلسفة الاجتماعيَّة عند ابن خلدون)، ولم يكتفِ ذاك الضَّرير المُبصر من نور العلم ما وصل إليه من شهادات علميَّة، حيث اجتاز دبلوم الدِراسات العُليا في القانون الرُّوماني، وأصبح من أهم المُترجمين للروايات الإغريقيَّة والفلسفيَّة، وله العديد من الكتب المترجمة والأبحاث النقديَّة.
بعد عودته من فرنسا، كرَّس طه حسين أكاديميَّته بالبحثِ والتدريس، حيثُ عمل أستاذاً للتَّاريخ اليوناني والرُّوماني بالجامعة المصريَّة، ثُمَّ أستاذاً لتاريخ الأدب العربي بكليَّة الآداب، ثم غدا عميداً للكليَّة.
عُيِّن مُستشاراً لوزير المعارف، ومديراً لجامعة الإسكندريَّة، وفي ١٩٥٠م أصبح وزيراً للمعارف، وكان لابن الصّعيد ذو التوجّه الوطني الأثر الكبير في حملة المُطالبة بإلزاميَّة التَّعليم، وكان لا يبخل بأي جهد في كُلّ فُرصة تَسنح له بالمُطالبة بمجانيَّة التَّعليم في مصر، فكان الأب الرَّحيم لكُلِّ طلاب مصر الحبيبة، وحصد جماهيريَّة قلَّ نظيرها.
مع كلّ الموجات المُشكِّكة بطه حسين، والرَّافضة لنهجه الجديد، وكتُبِه اللاذعة والموجعة لِكلِّ من لا يُحب الحقيقة، ويتغنَّى بالماضي التليد، وبطولات عنتر ولبيد، ويصرِّح أنَّ أمَّة العرب أضحت في قعر الأمم من حيثِ الباحثين والعلماء، والفكر المُجدِّد، من بعد أن صَدّرتِ الحضارة في عصر الظُّلمات؛ غَدت موطنَ الظُّلماتِ، والتغنِّي بالترَّاهات، وأساطير الأوَّلين.
إبان الحرب العالميَّة الأولى، وعَقِبَ الثَّورة المصريَّة عام ١٩١٩م، وحركة سعد زغلول، والتوجُّه الوطني نحو الاستقلال من الاستعمار البريطاني، ظهرت ألوان من الحُريَّة لم تعرفها الأمَّة العربيَّة منذ انقضاء عهود ازدهارها الغابرة، فكان أوَّل من سابقوا لنيل تلك الحُريَّة والمطالبةِ بها، هم الكُتَّاب والأدباء والمثقَّفون، فأظهروا نزعة التجديد في المُنتج الأدبيِّ الحديث، وأقاموا ثورةً على كُلِّ ما هو قديم، نتج عنها خصومةًّ أدبيَّة واسعةً بين أنصار الحديث والقديم في كُلَّ نوعٍ أدبي.
حالةً أدبيَّة كانت الشُّغل الشاغل للوسط الثقافي في تِلك المرحلة، وكان لعميد الأدب العربي طه حسين الأثر الكبير في التجديد بِكُلِّ مناحِ الإبداع والفِكر، فطه حسين المفكِّر السياسي الذي ترأس نُخبة المثقَّفين الوطنيين بزمن الاستقلال، وشغل منصب رئيس تحرير صحيفة الجمهوريَّة، لم يتوانى عن الدِّفاع عن كرامةِ الأمَّة والاستقلال، وبرز قلمه المُجدِّد والنابض بِالحُريَّة، الكاسر لقيود الخوفِ والتبعيَّة للملك والسُّلطان، وفي أوقات كثيرة كلَّف الأديب الكثيرَ من المواجهة والنبذ، والصدام مع الدَّوائر المتنفِّذة بالحُكم.
وبالرَّغم من مواقف طه حسين الوطنيَّة؛ إلا أنَّه كان بعيداً عن السياسة الصرفة، وكان همُّه التجديد والتحديث في مصر، وأكبر دليل على لذلك، أنَّ طه حسين كان أقرب للحزب الوطني في بداياته، والذي يُعتبر حزب إقطاعي وليس حزب جماهيري، ولكن الحزب حينها كان يضُم نُخبة مثقَّفة ليبراليَّة عِلمانيَّة تدعو لفصل الدِّين عن الدَّولة، وهو ما يَطمح له مُفكِّرنا الكبير، وابتعد عن الحزب المُنافس له آنذاك، رُغم انَّه حزبٌ جماهيريٌ ووطني.
ولكن توجُّهه الإسلامي والدِّيني، والدَّعوة حينها للارتباطِ بالدَّولة التُركيَّة، وبقاء الخلافةَ الإسلاميَّة، والتمسُّك بالموروث المتحجِّر، والتقاليد الموروثة غيرِ القابلة للتجديد، أمورٌ أبعدت طه حسين عنه، وقَرَّبتهُ من الحِزب الوطني، ليس سياسيَّاً ابداً، ولا اجتماعيَّاً، وإنَّما وجد فيه ضالَّته نحو نشر الثقافة العلميَّة والليبراليَّة الجديدة التي تدعو لحريَّة المرأة والفِكر الحُر، وهذا ما ميَّز طه حسين السياسي الوطني المنحاز لوطنه، والمنحاز للعلم والتحرُّر والتمسُّك بِكلِّ ما هو إنساني، وقد كتب رغم ذلك في جريدة الحزب الكثير من القصائد المُندِّدة بالاحتلال والرَّافضة له، غير آبه بتوجُّهها الإقطاعي، كقصيدته الجَّميلة التي يقول بمطلعها:
تَيمَّموا غيرَ وادي النِّيلِ وانتجعوا
فليسَ في مصرَ للأطماعِ مُتَّسعُ
كُفوا مَطامِعكُم عَنَّا، أليسَ لكم
مِمَا جَنيتم ومَا تجنونه شَبعُ؟
لذلك نرى أنَّ طه حسين كان همّه الأوَّل والوحيد حُريَّة الفكر، وحُريَّة الوطن، وحُريَّة الإنسان، فكان من أوَّل المُنادين بحريَّة المرأة في مِصر، الأمر الذي أثار حفيظة الأزهر عليه، ولم يستكن، وأوضح رأيه مِراراً، حيثُ قال:
"لا فرق بين المرأة والرَّجل في الحُريَّة، وكلاهما مأمورٌ بمكارم الأخلاق منهىٌ عن مساوئها، محظورٌ عليه أن يتعرَّض لمكان الشَّبه، فالمرأة لا تخلو بالأجنبي ولا تُسافر وحدها، ولا تتبرَّج تبرُّج الجاهليَّة الأولى، ولها بعد ذلك أن تفعل ما تشاء في غير إثمٍ ولا لغو، لها أن تطرح النِّقاب وترفع الحجاب، وتتمتَّع بلذَّات الحياة كما يتمتَّع الرَّجل، وليس عليها إلا أن تقوم بما أخلت به من الواجب لنفسها وزوجها، والنَّوع الإنساني كافَّةً، هذا هو حكم الإسلام، وهو رأينا الذى لا نحيد عنه، ولا نعدل به رأياً آخر".
كان السَّبب وراء تلقيب طه حسين بعميد الأدب العربي؛ هو نقله التعسُّفيُ من عِمادة كليَّة الآداب، بسبب مواقفه الوطنيَّة والسياسيَّة كما ذكرنا، وبعدَ رفضهِ كِتابةَ الكلمةِ الافتتاحيَّةِ في جريدة الشَّعب، والتي أسَّسها الحِزب لمواجهة حزب الوفد آنذاك، والجدير بالذِّكر أنَّ تلك الجريدة تَمَّ افتتاحها بعد توجيهات من الملك شخصيَّاً لتكون صوتاً مُعارضاً لتوجُّهات الحركة الشعبيَّة، فاعترض الطلاب بالكليَّة على هذا النقل التعسُّفي غير المُبرَّر، وانضم إليهم طلاب كليَّة العلوم والطب وقالوا: "إذا أقالت الحكومة طه حسين من عِمادة كُليَّة الآداب، فهو عميد الأدب العربي كلّه"، ورُفِعَت اليافطات باسمه مكتوبٌ عليها:
"لست عميد كُليَّة الآداب، بل عميد الأدب واللغة".
بعدها عاد طه حسين إلى عِمادة الكليِّة مرَّةً أخرى بعدما التصق به هذا اللقب، واستحقَّه بجدارة دون مُنازع.
تضجُّ الذَّاكرة حين نتناول مؤلَّفات الأديب العملاق، والمفكِّر والسياسي، والمتنوِّر والمُجدِّد والفيلسوف والرِّوائي، والشَّاعر والمسرحي، والنَّاقد والسينمائي، ذلك الموسوعيُّ المعتَّق بالنُّضج، فعلى سبيلِ المثال لا الحصر نذكرُ لهُ بعضَ مؤلَّفاته:
الرواية المبدعة (دُعاء الكروان)، الكتاب القيِّم (مُستقبل الثَّقافة في مصر)، الذي طرح إشكاليَّة الفكر وأزمة الوعي والمعرفة، والتفاؤل أيضاً بثقافة تُغني مصر، ورواية (ما وراءَ النَّهر) من روائعه، و(المُعذَّبون في الأرض)، و(الوعد الحق)، و(كتاب الشيخان) الذي تناول فيه سير الخُلفاء الرَّاشدين عُمَرُ الفاروق وأَبو بَكرٍ الصِّديق، كتابٌ قيِّمٌ موضوعي يشرح فيه عن حياتهما وسياستهما، وما قدَّماه للأمَّة.
ومن كُتُبه (حديث الأربعاء)، و(القصر المسحور)، وكتابه (صوت أبي العلاء)، والإبداع في نسج الخيالات مع الواقع، سردٌ وبوحٌ وألمْ، ومقارنةً بينه وبين أبي العلاء، وتشابه في المِحنة والفِكر والتوجُّه، أمّا (مرآة الإسلام) كتابٌ نقدي لا يخلو من المُتعة في الجدل، وسرد الحقائق، وإن كان إشكاليَّاً للبعض، و(تجديد ذكرى أبي العلاء)، و(أحلام شهرزاد)، و(جنَّة الشّوك)، و(فلسفة ابن خلدون) الكتاب الذي كان أطروحته في الدكتوراة، ومن أهم الكتب التي تناولت ابن خلدون والحداثة العربيَّة بمنظور التجديد، ونصل إلى أهمّ كتاب للأديب الرَّاحل، فبِلسانِ الباحثِ والنَّاقد الاجتماعي والتَّاريخي؛ أَصدرَ كتابهُ المعروف، ذا الشُّهرة الواسعةِ (في الشِّعر الجاهلي)، حيثُ أنهى عقد كامل من الزَّمان.
فقد استغرقتهُ المعركة الثقافيَّة التي أشعلها عميد الأدب العربي بصدورِ كتابهِ هذا، عاصفهً انطلقت مع العام 1926م، لتمتد آثارها إلى عمومِ الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة، بين مؤيِّدٍ لأفكارِ طه حسين الذي رأى بأنّها ضروريَّة للفكر العربي، وللتحديث، ومنهج الفِكر المُحايد، وبين معارضٍ رافضٍ لأيِّ رأى فيهِ خروج عن ثوابتِ الأمَّة والدِّين، بمنهجٍ ديكارتي ملؤه الشَّكُ والنَّقد، حيث تناول كتاب (في الشِّعرِ الجاهلي) تاريخ ذلك الشِّعر، وكانت فصول كتابه زاخرة بالبحث النَّقدي، في أفكار ونصوص كان لها وقعٌ ضخم على مسامع الحياة الثقافيَّة.
إنّ الفكرة الأساسيَّة التي يقوم عليها الكتاب، هي فكرة عدم الاعتراف بصحَّة كل النُّصوص التي جاءت إلينا من العصر الجَّاهلي، حيث شكَّك طه حسين بصحَّة بعضها؛ بل راح إلى التشكيك بصحَّة الشُّعراء أنفسهم التي نُسبت إليهم هذه النُّصوص والأشعار، وحاول الكتاب أن يُجيب عن أسئلةٍ ثلاث: (من العرب في التَّاريخ؟، ما هوَ تاريخهم؟، ما تاريخ لغتهم؟).
لقد شَكَّكَ بالشِّعرِ الجاهلي، ونَسَبَهُ للمُسلمينَ بعد الجاهليَّة، وذلك لغاياتٍ سياسيَّة ودينيَّة وقبائليَّة، وقد شكَّكَ الكتاب بقصَّة إبراهيم الخليل، وإسماعيل، وقال عنها:
"للتوراة أن تُحدِّثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يُحدِّثنا عنهما أيضاً، ولكن ورود هذين الاسمين في القرآن والتوراة لا يكفي لإثبات وجودهما التَّاريخي، فضلاً عن إثبات هذه القصَّة التي تُحدَّثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكَّة، ونشأة العرب المستعربة فيها".
وقصد طه حسين بذلك أنَّه لا يوجد مُستند تاريخي على وجود تاريخي لشخصيَّة تُدعى إسماعيل، وأنَّ القرآن لفَّق هذه الأسماء مثل ما لفقته التوراة، ليتقرَّب الإسلام من فكرة أنَّه دين جاء ليُجدِّد رسالة إبراهيم.
شكَّك الأديب الكبير أيضا بأنساب العرب، والهجرات الساميَّة فيها، وأنَّ أغلب هذه الأنساب مُخترعة، وليس لها صحةً ولا جذور، وصولاً حتّى نسب الرَّسول، أي نسب هاشم وأميَّة، وأفخاذ قريش.
ومن الجميل في تلك المعركة الثقافيَّة تدخُّل سعد زغلول للدِّفاع عن حقِّ التَّعبير عن الرَّأي الآخر، وانتصرت حُريَّة الفكر، ولم يرضى سعد زغلول استجواب طه حسين، إلا أنَّ الأزهر أشعل حرباً ضِدَّ طه حسين، وقام القضاء بالتَّحقيق معه بسبب الكتاب، وسحبهِ من الأسواق، وعادت المطابع ونشرته بعد التعديلاتِ التي طُلِبَ من طه حسين أن يُعدِّلها.
ومع عشرات الكُتُب المنبريَّة في الرَّد على طه حسين، وآلاف المقالات التي كُتِبت خلال عقدٍ من الزَّمن للرَّد عليه، بقي طه حسين مُتشبثاً برأيه، غير آبهٍ بتشكيك المُشكِّكين، همُّه الوحيد البحث العلمي، والوصول لسندٍ تاريخي يُثبت ما قيل عن الماضي، وليس مُجرَّد نقل عبثي، وشائعاتٍ متناقله.
وخلاصة القول، إنَّ كتاب طه حسين (في الشِّعر الجاهلي)، أهمّ كتابٍ أصدرته المطبعة العربيَّة في العصر الحديث، لأنَّهُ الكتاب الذي وضع أصول المنهج العلمي الحديث في دراسة اللغة والأدب العربي.
وبالعودة لكتبه الشيِّقة نتذكَّر (تقليد وتجديد)، و(جنَّة الحيوان)، و(على باب زويلة)، وكتاب (الفتنة الكبرى علي وبنوه) عبارة عن بحثٍ ناقد وحسَّاس؛ يسردُ فيه ويُفنِّد أصعب مِحنة عصفت بالأمَّة الإسلاميَّة، وشقَّت صفوف المُسلمين إلى وقتنا الرَّاهن، حيث تحدَّثَ فيه عن الخلاف بين علي وبني أميَّة فكريَّاً وسياسيَّاً، والفتنة التي وقعت بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفَّان، وطلب الثَّأر له، والحروب التي اندلعت بسبب هذا الثَّأر.
ومن كتبه أيضاً كتاب (قصَّة تاريخيَّة)، و(طفولة َ مصريَّة)، والكثير الكثير من المؤلَّفات الفكريَّة التي تناولت حال الأدب العربي، والثَّقافة الحديثة في مجتمع مصر والدُّول العربيَّة، بالإضافة إلى ترجماته المُبدعة في الأدب اليوناني والرُّوماني، كرواية (أوديب وثيسيوس).
طه حسين، والجدل الكبير حول مؤلَّفاته بين مؤيِّدٍ للتجديد والحداثة، ومنهجيتهِ العلميَّة في البحث التاريخي والكتابة، وبين معترضٍ مُتردِّدٍ مُناهض لكل ما هو حديث في نهج وفكر طه حسين، واتِّهامه بالزَّندقة تارَّة، والكُفر تارةً أخرى، والخروج عن المألوف أو الخروج حتَّى عن الملَّة، كل ذلك جعل منه حالةً أدبيَّة لن تتكرَّر في الأدب العربي، وجعلته لعهودٍ خلت، وعصور ستأتي، المؤسِّس الأوَّل للمنهج العلمي في البحث الأدبي، والمتمرِّد على القديم البالي، والمُنتفض على الرجعيَّة أينما كانت، وكيفما تمظهرت، بلبوس التخلُّف والتحجُّر الدِّيني، أو بلبوس العادات البالية القديمة، أو بلبوس الجمود الفكري، وعدم التقبُّل للرَّأي الآخر، والانفتاح على التجديد.
رحل طه حسين عن دُنيانا في أكتوبر ١٩٧٣م، عن عمرٍ ناهَزَ ٨٤ عاماً، قضاها معلِّماً جليلاً، ومؤلِّفًا مُبدعاً، ودكتوراً وباحثاً أغنى الفِكر العربي، وصحفيَّاً فذَّاً لا يخشى قلمه لومة لائم، رحل صانِعاً من صُنَّاع النُّور، زارعاً البصيرة في القلوب العمياء عن الحقيقة، رحل أسيرُ المِحبسين المصري، والبسمة التي كانت ترتسم على محياه تُداعب الرِّيف، والصَّعيد المصري بأعذب القصص والخيالات.
كَأهرَاماتِ مِصرَ، سيبقى أديبنا الرَّاحل طه حسين هرماً للأدب والفكر العربي الحُر على مدى العصور.
محمود درويش نبي الشعر في زمن ضياع الهويّة
ابن رشد رجل عصر النهضة وأمير العلم
القلم الثائر غسان كنفاني
بحث عن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود
حقيقة وفاة عادل امام
من هو هشام بن محيي الدين ناظر
من هي غابرييلا بريمر
من هو مظفر النواب
من هو طلال أبو غزالة
آرنستو تشي غيفارا
جبران خليل جبران
جميع الحقوق محفوظة © 2020 | موقع أجراس