محمود درويش نبي الشعر في زمن ضياع الهويّة

محمود درويش نبي العصر في زمن ضياع الهوية، السيرة الذاتية لمحمود درويش، المنفى الأخير لمحمود درويش، كلمة محمود درويش خلال حفل منحة شهادة الدكتوراه الفخرية

  • 1179 مشاهدة
  • Aug 02,2021 تاريخ النشر
  • الكاتب Ghada Halaiqa
  • ( تعليق)
محمود درويش نبي الشعر في زمن ضياع الهويّة

محمود درويش

نبي الشعر في زمن ضياع الهويّة

 

مقتطفات من سيرة محمود درويش الذاتيّة

 

محمود درويش شاعرٌ فلسطيني مُعاصر، من مواليد قرية البروة قضاء الجليل في 13/3/1941م، هُجِّر مع أسرته من قريته ومسقط رأسه وهو في السادسة من عُمره في عام النّكبة الفلسطينيّة عام 1948م، ليجد نفسه منفيّاً مع عائلته وعشرات الآلاف من أبناء شعبه في جنوب لبنان، سكنت عائلته في قرية رميش، ثم انتقلوا للسكن في جزّين، ومنها انتقلوا إلى النّاعمة بالقرب من الدّامور.

انتظر درويش مع عائلته وباقي الفلسطينيون المشردون انتهاء الحرب للعودة إلى ديارهم، ومع مرور الوقت شعر والد درويش وجده بأنّ الأمر قد حُسم، وأن بلادهم قد احتلّت، فشدّوا رحالهم وعادوا إلى وطنهم مُتسللين باتجاه شمال الجليل، مُستعينين بدليلٍ فلسطيني يعرف الطرق السريّة جيّداً، ومكثوا عند أصدقاء لهم حتى علموا بأنَّ قريتهم لم يعد لها وجود، حيث قامت سلطات الكيان بهدمها وإقامة قرية زراعيّة على أنقاضها، فسكنوا كلاجئين في قرية دير الأسد في الشمال الفلسطيني.

واجهت عائلة درويش صعوبةً بالغة في الحصول على بطاقات إقامة، لدخولهم إلى البلاد بطريقة غير شرعيّة، حيث كان تصنيفهم في قانون الدّولة المُحتلّة (الحاضرون الغائبون)، وهكذا عاشت أسرة درويش لاجئة على أرضها بعد مصادرة بيتها وأراضيها، وحرمانها من هويتها.

انفصل درويش عن عائلته وسكن في مدينة حيفا لمدة عشرة أعوام، حيث أنهى فيها دراسته الثانويّة، فيما استقرّت أسرته في قرية الجديدة بعد امتلاك بيتٍ فيها، عمل درويش محرراً في جريدة (الاتحاد)، وكان خلال فترة عمله ممنوعاً من مغادرة حيفا لمدة عشرة أعوام، وبعد تمكنه من استرجاع هويته، والتي كانت أشبه بِبطاقةِ إقامة، وقد مُنع درويش من مغادرة منزله لمدّة ثلاثة أعوام على التوالي (1967-1970)، وكان يتجدّد اعتقاله كلّ عام، ويتمّ سجنه دون مُحاكمة.

انضمّ محمود درويش إلى الحزب الشيوعي، وعمل في صحافة الاتحاد والجديد التّابعة للحزب، تحوّل لاحقاً إلى رئيس تحرير صحيفة الجديد، وتمّ اتهامه بالقيام بنشاطات مُعادية لدولة الكيان، ففرضت عليه الإقامات الجبريّة، وتعرّض للمطاردة والاعتقال لخمس مرّات.

وفيما يخصّ سيرة درويش الذاتيّة، كان له رأيٌ فيها، حيث قال:

" أولاً:

 ما يعني القارئ في سيرتي مكتوبٌ في القصائد، وهُناك قولٌ مفاده: أنَّ كلّ قصيدةٍ غنائيَّة هي قصيدة أوتو- بيوغرافية - أو سِير ذاتيَّة، عِلماً بأنَّ هُناك نظريَّةً تقول: إنَّ القارِئ لا يحتاجُ إلى مَعرفة سِيرة الشَّاعر كي يفهم شِعره؛ أو يتواصل معه.

ثانياً:

 يَجب أن أشعُرَ بِأنَّ في سِيرتي الذاتيَّة ما يُفيد، أو ما يُقدِّم فائدة، ولا أُخفيك بأنَّ سيرتي الذاتيَّة عاديَّةٌ جدَّاً، ولم أفكِّر حتَّى الآن في كِتابةِ سيرتي، ولا أحبُّ الإفراط في الشَّكوى من الحَياة الشِخصيَّة ومُشكلاتِها، ولا أُريد بالتَّالي أن أتبجَّح بِنفسي، فالسِّيرة الذاتيَّة تدفعُ أحياناً إلى التبجُّح بالنَّفس، فيُصوِّر الكاتِب نفسه وكأنَّه شَخصٌ مُختلف، وقد كتبتُ مَلامِح مِن سِيرتي في كُتبٍ نثريَّة، مِثل (يَوميَّات الحُزن العادي) أو (ذاكِرة للنِسيان)، ولا سِيما الطُّفولة والنَّكبة".

 

خارج حدود فلسطين

 

غادر محمود درويش فلسطين للمرّة الأولى باتجاه موسكو لإكمال دراسته عام 1970، أقام فيها لمدّة عام، وغادرها باتجاه القاهرة، المحطّة الأهم في حياة درويش، والتي قرّر فيها مُغادرة أرض فلسطين دون عودة، وخلال إقامته في العاصمة المصريّة، التقى بأهم رموزها من الأدباء والمشاهير، كـ (محمّد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، ويوسف إدريس، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور، وأحمد حجازي، والأبنودي)، وقام مُحمّد حسنين هيكل بتعيينه في نادي كُتَّاب الأهرام، ومن أهم القصائد التي نظمها درويش خلال إقامته في القاهرة؛ قصيدة (سرحان يشرب القهوة في الكفاتيريا)، والتي تمّ نشرها في صحيفة الأهرام، وصدرت في كِتاب (أُحبّك أو لا أحبّك).

استقرّ درويش في القاهرة لمدّة تسعة أعوام (1973-1982)، والتي غادرها عائداً إلى بيروت بدافع الحنين الدائم الذي يحمله في أعماقه لهذه المدينة، لكنّ عمله الشعري تعثّر فيها بسبب اندلاع الحرب الأهليّة.

عاش درويش في بيروت فترةً عصيبة إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فقد كان ينام خارج بيته، وقبل أن يعود إليه كان يُهاتف الجيران، ويستفسر منهم عن ما إذا جاء الجنود الإسرائيليين للسؤال عنه، فإن كان ردّهم إيجاباً، اطمئن بأنّهم لن يعودوا مرّةً أخرى في هذا اليوم، فيذهب إلى بيته ليستحم ويأخذ قسطاً من الراحة، ثمّ يعود أدراجه إلى المطعم الذي كان ينام فيه، واستمر درويش على هذا الحال إلى أن وقعت الكارثة الكبرى (مجزرتي صبرا وشاتيلا)، حينها قرّر مُغادرة بيروت، وأعدّ عدته لمغادرتها بالترتيب مع السفير الليبي في لبنان، لإخراجه من منطقة الأشرفيّة التي كان يُسيطر عليها حزب الكتائب، وبالفعل تمكن من الخروج منها باتجاه طرابلس، ومنها توجّه إلى سوريا.

غادر درويش دمشق مُتجهاً إلى تونس، والتقى فيها بياسر عرفات الذي طلب منه مواصلة إصدار مجلّة الكرمل، على إثر هذا الأمر غادر درويش تونس متوجهاً إلى قبرص لترتيب شؤون رخصة إصدار الكرمل، وبالفعل صدرت الكرمل في قبرص، وكان درويش يحررها في باريس ويطبعها في نيقوسيا بالتعاون مع الشاعر (سليم بركات).

أقام درويش في العاصمة الفرنسيّة باريس لمدّة عشرة أعوام بشكلٍ متقطِّع، ويعتبر درويش بأنّ إقامته في باريس مهدت لولادته الشعريّة الحقيقيّة، حيث أتيح لهُ فيها تأمّل الوطن والعالم وكافة الأمور من خلال مسافة ضوء، إضافةً إلى جماليّة باريس التي تُحرِّض على الشِّعر.

 

المنفى الأخير

 

في أواخر عام 1995، عاد درويش للإقامة في عمَّان قادماً من باريس، وقد اختار درويش عمّان كمقرٍ له لأنها الأقرب إلى وطنه المُحتل، ولأنّها أفضل مدينة تمكّنه من الاختلاء بنفسه بكل هدوء، ولم تختلف حياة درويش في العاصمة الأردنيّة عن باقي العواصم التي عاش فيها، غير أنّ أبرز ما يميّز حياة درويش فيها هو تمكنه من العمل الجاد، والدّليل كثافة الأعمال الشعريّة التي ولدت فيها، كالجداريّة وحالة حصار، ولا تعتذر عمّا فعلت، وكزهر اللوز أو أبعد، وفي حضرة الغياب، وأثر الفراشة، حيث كتبت مُعظم هذه الأعمال بين مدينتي عمَّان ورام الله.

 

الجوائز والتكريم

 

لم يكن محمود درويش مجرّد شاعر لوطن وقضيّة، بل كان نبيّاً أعاد للعربيّة هويتها وعمقها في زمن تشتت الهويّة، فكان حقاً متنبي العصر، وشاعره، فاستحق تقدير العالم له، سواء كان هذا التكريم خلال حياته، أو بعد رحيله، ومن الجوائز والتكريم التي حصل عليها درويش:

  • جائزة اتحاد كُتّاب آسيا وإفريقيا (لوتس) الهند.

  • جائزة (باليرمو)، إيطاليا.
  • درع الثورة الفلسطينيّة.
  • جائزة علي بن سينا الدوليّة، الاتحاد السوفييتي.
  • لوحة أوروبّا للشِّعر، إيطاليا.
  • جائزة لينين، الاتحاد السوفييتي.
  • جائِزة شُعراء مِن أجل السَّلام، فيلاديمادوف-إيطاليا.
  • شهادة تقدير من مركز الدراسات العربيّة بجامعة تشيلي في سنتياغو.
  • وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي برتبة فارس.
  • جائزة الآداب، وزارة الثقافة الفرنسيّة.
  • وسام الاستحقاق الثقافي، تونس.
  • وسام الكفاءة الفكريَّة، المغرب.
  • وسام القدِّيس بُطرس بولس، وجاء هذا الوسام على شكل ميداليّةٍ ذهبيّة قدِّمت من قِبل بطريرك أنطاكية وسائِر الشَّرق، دمشق.
  • جائزة تقدير من جامعة (البلمند)، لبنان.
  • جائزة الحريَّة الثقافيّة، فيلادلفيا-الولايات المُتحدة الأمريكيّة.
  • جائزة السُّلطان بِن علي العويس للإنجاز الثَّقافي والعِلمي، الإمارات العربيّة المُتحدة.
  • جائزة الأمير كلاوس، القصر الملكي الهولندي.
  • جائزة  لودوميا بونامي الأدبيّة الدوليّة، لاكولا-إيطاليا.
  • جائزة الوردة الفضيّة، بُلغاريا.
  • جائِزة القاهِرة للإبداع الشِّعري، مصر.
  • جائزة جولدن ريت العالميّة (ملك الشِّعر)، مقدونيا.
  • جائِزة الأركانة العالميَّة للشِّعر، المغرب.
  • جائِزة الشَّاهِد، البوسنة.
  • جائِزة ناظِم حِكمت، تركيَّا.
  • وسام القُدس عام 2008م.
  • جائِزة البحر الأبيض المُتوسِّط لِلسَّلام، إيطاليا.
  • دِرع مُجسَّم مدينة القُدس، باريس.
  • دِرع القِدِّيس الشَّهيد إيليا الحِمصي، مُطرانيّة حِمص للرُّوم الأرثوذوكس.
  • دِرع تقدير مقدّم من وزارة الثقافة المصريَّة.
  • إصدار طابع بريدي يحمل صورة درويش في فلسطين.
  • دكتوراه فخريّة منحت لمحمود درويش من قِبل جامعة (لوفان) الكاثوليكيّة، بلجيكا.
  • دكتوراه فخريّة مُنحت لمحمود درويش من جامعة بيرزيت.

مُقتطفات من كلمة درويش خلال حفل منحه شهادة الدكتوراه الفخريّة التي مُنحت له من قبل جامعة لوفان الكاثوليكيّة عام 1998

 

"لا يُمكننا في نِهاية هذا القّرن الشِّعري، أن نُراكِم اختِلاف المُستويات الثقافيَّة والاجتماعيَّة والعِلميَّة بين العالم العربي والعالم الغربي، لتطبيقها ميكانيكيَّاً على العلاقة التي تربِط الشِّعر العَربي المُعاصِر بالشِّعر العالمي.

إنَّ فِعل الاستِمتاع لشاعرٍ عربي، يُعادِل الآن التهدُّد بِخطر المُفاجأة أو الصَّدمة، لأنَّ التَّعريف الوطني للشِّعر لا يّظهر إلا بصفةٍ سريَّة غير جماهيريّة، محمولةً بإيقاعٍ آخَر للزّمن، فولادةُ الشِّعر تأتي مِن منفانا الجَّماعي على هذهِ الأرض، الشِّعر هو التَّعريف الإنساني للإنسان.

مِن المنفى..

 

البدايات الأولى للامُلكيَّةِ الحاليَّة، مًروراً بمُلاحظةِ عدم قدرته على تغيير العالم، ومع ذلك الشعر يُواصِل عولمتَه، ويُكمِل خصوصيَّته، مُتحرِّراً في نفس الوقت من هيمنة المَركز، ومن خوف الأطراف على مكانتِها، وتعريفاتِها الضيِّقة.

 إنَّ المكانة التي يحتلَّها الشِّعر العربيِّ المُعاصر في المُجتمع، تستحق غيرةً كُبرى، فهذه الصُّورة التي تعوَّدنا عليها مُنذ القدم؛ ينبغي النَّظر فيها، ومحاولةِ تحديدها..

هل ما يزال العرب حقَّاً هُم شَعب الشِّعر؟

أين مَفهوم الشَّاعِر بالمعنى العربي: العارف؟".

 

رحلته الأخيرة إلى الأبديّة

 

غادر محمود درويش مدينة عمّان متوجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة صباح يوم الإثنين الثامن والعشرين من شهر تموز عام 2008 لإجراء عمليّة قلب مفتوح، وكان يشعر في قرارة نفسه بأنّه لن يعود، ودّع مُحيطه دون أن يلتفت، وغادر بصمت يُرافقه صديقه (أكرم هنيّة)، أجريت له عمليّة قلب مفتوح في المركز الطّبي في هيوستن، دخل بعدها في غيبوبةٍ أدّت إلى وفاته في التاسع من شهر آب عام 2008.

وبهذا طويت الصفحة الأخيرة من حياة الشّاعر النبيل محمود درويش، ليبدأ حياة الخلود والأبديّة في قلب كل حرٍ آمن بإبداع درويش وبرسالته العظيمة.

درويش ومنذ رحيله لم يغب يوماً عن كافة المشاهد التي عصفت وتعصف بالوطن العربي، والتي تنبأ بحدوثها وأخبرنا عنها في قصائده ودواوين شعره ونثره، والتي يُحاكي فيها الأمس واليوم وغداً، فكان بحق الغائب الحاضر عاشق الأم والأرض.

 

 

مقالات متعلقة في مشاهير واعلام